مالى إذا نظرت إليك امتلأت رعباً
أتسمعون عن حماد بن سلمة ؟
قال ابن الجوزى : كان - حماد بن سلمة - عابداً محاسباً لنفسه لا يضيع
لحظة فى غير طاعة
قال عبد الرحمن بن محمد : لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غداً إذا ما
قدر أن يزيد فى العمل شيئاً ، وكان يبيع الثياب ، فإذا ربح حبة أو حبتين
نهض
قال مقاتل بن صالح الخراسانى : دخلت على حماد فإذا ليس فى بيته إلا
حصير وهو جالس عليه ، ومصحف يقرأ فيه ، وجراب فيه علمه
ومطهرة يتوضأ فيها ، فبينما أنا عنده دق داق الباب ، فقال : يا صبية ،
اخرجى فانظرى من هذا ؟ فقالت : رسول محمد بن سليمان - الأمير - قال
قولى له يدخل وحده ، فدخل فناوله كتاباً فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة
أما بعد
صبَّحك الله بما صبَّح به أولياءه وأهل طاعته ، وقعت مسألة فإنا نسألك عنها
والسلام
فقال - حماد بن سلمة - : يا صبية هلمى الدواة ، ثم قال لى : اقلب الكتاب واكتب
أما بعد
وأنت صبَّحك الله بما صبَّح به أولياءه وأهل طاعته ، إنا أدركنا العلماء
وهم لا يأتون لأحد ، فإن كانت وقعت مسألة فأتنا وسلنا على ما بدا لك
فإن أتيتنى فلا تأتنى إلا وحدك ، ولا تأتنى بخيلك ورجلك ، فلا أنصحك
ولا أنصح نفسى
والسلام
يقول - مقاتل بن سلمة - : فبينما أنا عنده دق الباب : فقال : يا صبية
اخرجى فانظرى من هذا ؟ فقالت : محمد بن سليمان - الأمير - ، قال
قولى له ليدخل وحده ، فدخل فسلم ثم جلس بين يديه ، فقال : مالى إذا :
نظرت إليك امتلأت رعباً ؟ فقال حماد : سمعت ثابت البنانى يقول : سمعت
أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن
العالِم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شىء ، وإذا أراد أن يكتنز به الكنوز
هاب من كل شىء " فقال : أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ما
أنت عليه ، فقال : أرددها على من ظلمته بها ، فقال : والله لا أعطيك إلا
ما ورثته ، فقال : لا حاجة لى بها أزوها عنى زوى الله عنك أوزارك
قال : فتقسمها ، قال : فلعلى إن عدلت فى قسمتها أن يقول بعض من لم
يُرزق منها لم يعدل ، أزوها عنى زوى الله عنك أوزارك
قال ابن الجوزى : أسند حماد بن سلمة عن خلق كثير من التابعين ، وتوفى
فى المسجد وهو يصلى
عن أبى عبد الله التميمى ، عن أبيه قال : رأيت حماد بن سلمة فى النوم ،
فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : خيراً ، قلت : فماذا ؟ قال : قيل لى طالما
كدَّرت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعوبين فى الدنيا
المنتظم لابن الجوزى ص 295 ، وص 296