لكننا نبرأ من محذورين عظيمين هما:
التمثيل، أن يقول بقلبه أو لسانه صفات الله تعالى كصفات المخلوقين.
والتكييف، أن يقول بقلبه أو لسانه كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا.
ونؤمن بانتفاء كل ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسو له صلى الله عليه
وسلم، وأن ذلك النفي يتضمن إثباتا لكمال ضده، ونسكت عما سكت عنه الله
ورسوله.
ونرى أن السير على هذا الطريق فرض لا بد منه، وذلك لأن ما أثبته الله
لنفسه أو نفاه عنها سبحانه فهو خبر أخبر الله به عن نفسه وهو سبحانه أعلم
بنفسه وأصدق قيلا وأحسن حديثا والعباد لا يحيطون به علما.
وما أثبته له رسوله أو نفاه عنه فهو خبر أخبر به عنه وهو أعلم الناس بربه
وأنصح الخلق وأصدقهم وأفصحهم. ففي كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه
وسلم كمال العلم والصدق والبيان فلا عذر في رده أو التردد في قبوله.
فصل
وكل ما ذكرنا من صفات الله تعالى تفصيلا أو إجمالا إثباتا أو نفيا فإننا
في ذلك على كتاب ربنا وسنة نبينا معتمدون وعلى ما سار عليه سلف الأمة
وأئمة الهدى من بعدهم سائرون.
ونرى وجوب إجراء نصوص الكتاب والسنة في ذلك على ظاهرها وحملها على حقيقتها اللائقة بالله عز وجل.
ونتبرأ من طريق المحرفين لها الذين صرفوها إلى غير ما أراد الله بها
ورسوله. ومن طريق المعطلين لها الذين عطلوها عن مدلولها الذي أراده الله
ورسوله. ومن طريق الغالين فيها الذين حملوها على التمثيل أو تكلفوا
لمدلولها التكييف.
ونعلم علم اليقين أن ما جاء في كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه
وسلم فهو حق لا يناقض بعضه بعضا، لقوله تعالى (أفلا يتدبرون القران ولو
كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء 82] ولأن التناقض
في الأخبار يستلزم تكذيب بعضها بعضا، وهذا محال في خبر الله تعالى ورسوله
صلى الله عليه وسلم. ومن ادعى أن في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم أو بينهما تناقضا فذلك لسوء قصده وزيغ قلبه، فليتب إلى
الله تعالى ولينزع عن غيه. ومن توهم التناقض في كتاب الله تعالى أو في سنة
رسوله صلى الله عليه وسلم أو بينهما فذلك إما لقلة علمه أو قصور فهمه أو
تقصيره في التدبر فليبحث عن العلم وليجتهد في التدبر حتى يتبين له الحق،
فإن لم يتبين له فليكل الأمر إلى عالمه وليكف عن توهمه وليقل كما يقول
الراسخون في العلم (آمنا به كل من عند ربنا) [آل عمران 7] وليعلم أن
الكتاب والسنة لا تناقض فيهما ولا بينهما اختلاف.
فصل
ونؤمن بملائكة الله تعالى وأنهم (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره
يعملون) [الأنبياء 26-27] خلقهم اله تعالى فقاموا بعبادته وانقادوا لطاعته
(لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون . يسبحون الليل والنهر لا يفترون)
[الأنبياء 19-20] حجبهم عنا فلا نراهم، وربما كشفهم لبعض عباده، فقد رأى
النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته له ستمائة جناح قد سد الأفق.
وتمثل جبريل لمريم بشرا سويا فخاطبته وخاطبها، وأتى إلى النبي صلى الله
وعنده الصحابة بصورة رجل لا يعرف ولا يرى عليه أثر السفر شديد بياض الثياب
شديد سواد الشعر فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى
ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ووضع كفيه على فخذيه وخاطب النبي صلى الله
عليه وسلم وخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر النبي صلى الله عليه
وسلم أصحابه أنه جبريل.
ونؤمن بأن للملائكة أعمالا كلفوا بها:
فمنهم جبريل الموكل بالوحي ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله.
ومنهم ميكائيل الموكل بالمطر والنبات.
ومنهم إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور.
ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت. ومنهم ملك الجبال، ومنهم
مالك خازن النار، ومنهم ملائكة موكلون الأجنة في الأرحام، وآخرون موكلون
بحفظ بني آدم، وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان (عن اليمين
وعن الشمال قعيد ز ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) [ق 17-18]، وآخرون
موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه، يأتيه ملكان
يسألانه عن ربه و دينه و نبيه فـ (يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا
وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) [إبراهيم 27]، ومنهم
الملائكة الموكلون بأهل الجنة (يدخلون عليهم من كل باب . سلام عليكم بما
صبرتم فنعم عقبى الدار) [الرعد 23-24].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن البيت المعمور في السماء يدخله ـ
وفي رواية ـ يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه أخر ما
عليهم.
فصل
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتبا حجة على العالمين ومحجة
للعاملين، يعلمونهم بها الحكمة ويزكونهم. ونؤمن بأن الله تعالى أنزل مع كل
رسول كتابا لقوله تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب
والميزان ليقوم الناس بالقسط) [الحديد 25]
ونعلم من هذه الكتب:
ا. التوراة التي أنزلها الله على موسى صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم كتب
بني إسرائيل (فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا
والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء)
[المائدة 44]
ب. الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلم، وهو مصدق
للتوراة ومتمم لها (وآتينه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من
التوراة وهدى وموعظة للمتقين) [المائدة 46] (ولأحل لكم بعض الذي حرم
عليكم) [آل عمران 50]
ج. الزبور الذي آتاه الله تعالى داود صلى الله عليه وسلم.
د. صحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام.
هـ. القرآن العظيم الذي أنزله الله على نبيه محمد خاتم النبيين (هدى للناس
وبينات من الهدى والفرقان) ل[البقرة 185] فكان (مصدقا لما بين يديه من
الكتاب ومهيمنا عليه) [المائدة 48] فنسخ الله به جميع الكتب السابقة وتكفل
بحفظه من عبث العابثين وزيغ المحرفين (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون) [الحجر 9] لأنه سيبقى حجة على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة.
وأما الكتب السابقة فإنها مؤقتة بأمد ينتهي بنزول ما ينسخها ويبين ما حصل
فيها من تحريف وتغيير، ولهذا لم تكن معصومة من فقد وقع فيه التحريف
والزيادة والنقص، (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) [النساء 46]
(فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به
ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) [البقرة 79]
(قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون
كثيرا) [الأنعام 91] (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من
الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله
ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون . ما كان لبشر أن يؤتيه الله الحكم
والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) [آل عمران 78-79] (يا
أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب) إلى
قوله (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) [المائدة 15_17]
فصل
ونؤمن بأن الله تعالى بعث إلى خلقه رسلا (مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس
على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما) [النساء 165] ونؤمن بأن
أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين (إنا أوحينا إليك كما
أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) [النساء 163] (ما كان محمد أبا أحد من
رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) [الأحزاب 40] وأن أفضلهم محمد ثم
إبراهيم ثم موسى ثم نوح وعيسى ابن مريم وهم المخصوصون في قوله تعالى (وإذ
أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم
وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) [الأحزاب 7]
ونعتقد أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حاوية لفضائل شرائع هؤلاء الرسل
المخصوصين بالفضل لقوله تعالى (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي
أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا
فيه) [الشورى 13]
ونؤمن بأن جميع الرسل بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية شيء، قال
الله تعالى (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني
ملك) [هود 31] وأمر الله محمدا وهو آخرهم أن يقول (لا أقول لكم عندي خزائن
الله ولا اعلم الغيب ولا أقول إني ملك) [الأنعام 50] وأن يقول (لا أملك
لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) [الأعراف 188] وأن يقول (إني لا أملك
لكم ضرا ولا رشدا . قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا)
[الجن 21-22]