مالك شبل (مواليد الجزائر 1953م)مثالاً على التنويري الذي يجتهد لإتمام آخر عمليات الخروج من العُقد
وعاهات النفوس. ليس لأنه مختصّ بعلم النفس العيادي، أو لكونه ''جرّاحاً''
غير مُصنّف لأشد أمراض المسلمين فتكاً، وخفاء.. ولكن لأنّ شبل عابر
للمعاني الاجتهاديّة السّائدة التي باتت تحوم بين شكلين:
إمّا الخروج
النهائي على الأيديولوجيا والعقديّة، أو توظيف الاجتهاد المنوّر لأغراض
أيديولوجيّة ومسيّسة. ليس مُتاحاً حتى الآن إجراء تقويم نهائي لمثل هذه
التنويريّة التي شرح شبل مقوّماتها بالتفصيل في كتابه ''بيان من أجل
التنوير''، واضعاً 27 مقترحاً للإصلاح الدّيني الإسلامي، وبالاعتماد على
مبدأ التأويل، وأصالة العقل. فما الجديد إذاً؟ إنّه في تلك المساحة
الوسطى. فليس الطريق التنويري مفتوحاً إلى محمّد أركون (نبذ العقديّة)،
كما أنّ المنتهى المأمول ليس طارق رمضان (الأدلجة الإخوانيّة). التنوير
الإسلامي عند شبل يهدف إلى إماطة الغشاء عن حقيقة الإسلام، والكشف عن
انفتاحه وتسامحه من جهة، وكذب ما يُنسب إليه من ظلاميّات (تهميش الدّاخل/
المسلمون) وتحقين للعداء الحضاري (تهميش الخارج/ الغرب) من جهةٍ أخرى.
اختار شبل، كأمثاله من الباحثين المحدثين، التعمّق في الموضوعات المحرّمة،
للكشف عمّا تضمره من حِيل ومزاحمات مسكوتة. هكذا كان انكبابه على الجسد في
الإسلام، وكلّ الثيمات المرتبطة به؛ من عشق وشهوة وزيّ وعبوديّة، ليُثبت
أن الإسلام هو دين متعةٍ ولذةٍ وحياة.
يحترم العلمانيّة، ولكنها ليست ديناً. لا يجد غضاضة في معايشة المحرّمات،
واعتبار أن نصوص الإسلام المقدّسة، وبينها القرآن الكريم، ليس نصّاً
تحريميّاً البتة. يرفض الإصلاح من الخارج، ولو جاء من مسلم على قدر كبير
من الفهم والإصلاحيّة. المطلوب أن يُولد ''لوثر الإسلامي'' من داخل العالم
العربي والإسلامي. لا يوجد نقص في الإسلام، وهو دين يختزن معالجات شافية
لمشكلات الإنسان والمجتمع. إنه دينٌ حديث، وليس بحاجةٍ إلى ''حداثة''،
بخلاف عقول المسلمين التي تنتظر منْ يُخرجها من عصور الانحطاط.
يتقدّم شبل الوجوه الفكريّة المعروفة في الغرب. كتبه في الإسلام تُعدّ
مفتاحاً لفهم الكثير من المعضلات بشأن واقع المسلمين، وتاريخهم. ترجمة
القرآن الكريم قد تكون المشروع الأهم لشبل الذي حفظ القرآن صغيراً،
واختزنه وهو يُجابه معاناة اليُتم والتهميش في الطفولة، وأرق الهجرة
والاغتراب فيما بعد. سيكون لهذه الترجمة دورها ''العلاجي'' الأنسب لإيقاظ
الذات من هوسها بأن تكون ضحيّة. هوسٌ يؤازره تخيّل مريض بالآخر، واستهداف
جاهل للأفكار المغايرة. يعلم شبل أن كثيرين لا يحبّونه، فهو يقول الحقيقة
التي لا يحبّون سماعها. طبعاً، هو لا يُنكر أن الآخرين يملكون صناعة
حقيقة، أو حقائق، أخرى.
كيف يرد المثقفون العرب المقيمون في فرنسا على الهجوم على الإسلام؟ سوف
نختار من بينهم شخصاً لمع نجمه في السنوات الأخيرة ولا يزال: انه الجزائري
مالك شبل الأستاذ المحاضر في العديد من الجامعات الفرنسية والأوروبية
والأميركية.
كما انه صاحب الكتب الشهيرة عن الإسلام: ك
الإسلام والعقل،
و
بيان من اجل إسلام التنوير، و
قاموس محب للإسلام الخ... وبالتالي فمن أفضل
منه للرد على بابا روما الذي تورط في التهجم على الإسلام كما لو على الرغم
منه؟ يقول مالك شبل ان علاقة الإسلام بالعقل كانت وطيدة إبان العصر الذهبي
من عمر الحضارة العربية الإسلامية. وبالتالي فلا يمكن بأي شكل القول ان
الإسلام ضد العقل. والدليل على ذلك هو ان كبار مفكري المسيحية الأوروبية
كانوا تلامذة لفلاسفة المسلمين الكبار.
نضرب عليهم مثلاً القديس توما إلا
كويني في الجهة المسيحية وابن ميمون في الجهة اليهودية وآخرين عديدين.
فهؤلاء لم يستطيعوا التوصل إلى الفلسفة اليونانية إلا بفضل العرب. كلهم
كانوا تلامذة لابن رشد وابن سينا والفارابي وابن الطفيل وابن باجة الخ...
ولولا الترجمات التي مولها خلفاء المسلمين المستنيرين في بغداد والأندلس
لضاعت الفلسفة الإغريقية ولما حصلت النهضة الأوروبية لاحقاً.