وبعودتنا الى اسطورة ايدير «أفافا ينوفا»
هذه الأسطورة تروي حكاية ساندريلا المغاربية. الفتاة الأمازيغية، التي
تشتغل طول النهار في حقل الزيتون، تقطف الثمار، وتحرث الأرض، وتعلف
المواشي، فإذا غربت الشمس عادت تجرّ تعبها إلى البيت، حيث يقبع أبوها
الشيخ وإخوتها الصغار. تدقّ الباب فلا يفتح لها الأب. هو شيخ لا يحسن
الدفاع عن صغاره ولذا يطلب منها أمارة يستوثق بها أن الطارق هي
ابنته»
رُجِّي أساورك»، تلج البيت بعد الاختبار الصوتي، تأوي إلى حضن
الوالد الهرم.. «
أخاف وحش الغابة يا أبي»، و«
أنا أيضًا أخافه». يطلب
الوالد غفران الصغيرة لعدم فتح الباب لها من أوّل طرقة. ثم تُطَوِّفُ
الأغنية بأجواء المنطقة المثلّجة، حاكية عن «
الشيّخ المتلفّع في
بُرْنُسِهِ» و«
ابنه المهموم بلقمة العيش» و«
العجوز ذات النول.. تُحَلِّقُ
الأطفال حولها»، ولا تنسى وصف «
الثلج الرابض خلف الباب»، بل إنّها تصف كيف
أن «
جماعة الأعيان تحلم منذ الآن بالربيع المقبل» بأعراسه وبركاته،
بتُفَّاحِهِ وخَوْخِهِ ومِشْمِشِهِ، بينما «
يختفي القمر وتحتجب النجوم
ويتوسّد الشبان والأطفال أمانيهم فيما يستمعون لأقاصيص الجدّة»!
هي «كوكتيل» من مشاهد حاضرة وأخرى أسطورية، ترسم يوميات هذا الجزء من
الوطن العربي، الذي يختلف كثيرًا عن المشرق. فإذا كانت الفتاة المشرقية
محجوبة ومحاصرة بألف «
ممنوع»، فإن المغاربية تساعد والدها وزوجها أثناء
اشتغاله بالحقل، تحرث معه، تقطف الزيتون، وتحصد القمح.
ولأن الحروب كثيرة،
والثورات على الاحتلال خبزٌ يومي، فقد يحدث أن يختفي عنصر الرجال، وتضطرّ
الفتاة لكفالة العائلة ورعاية ممتلكاتها. وعلى هذا الأساس تنتصب
«
أغْرِيبَة»» رمزًا للفتاة التي تعول إخوتها برغم اخضرار عودها، تحرق
يومها في الحقل، وتعود في آخره إلى البيت حيث والدٌ عجوز و صِبْيَةٌ كـ
«
زغب القطا» ينتظرونها بفرح طفولي، تدقُّ الباب فيحتار الشيخ أيفتح الباب
لقادمٍ لا يعرفه ـ تسمّيه الأسطورة وحش الغابة ـ فيقضي على أولاده ولا
يستطيع له دفعًا، أم يسدّ الباب في وجه من تقول أنّها ابنته.. صورة لموقفٌ
إنساني غير موجودة في أي تراثٍ مشرقي. تتدخّل الأسطورة لتقول أن الوالد
اتّفق مع البنت على أن تَرُجَّ أساورها التي يحفظ صوتها، فإذا سمعه فتح
الباب للبنت ولما تحمل من رزق.هذه الصورة والحوار يتكرّران في أغنية «
أبي إينوفا» كلازمة تفصل كل مقطع
عن الذي يليه، فيما تواصل الأغنية تِطْوَافَهَا «السياحي» بمنطقة «القبائل
الكبرى» ناقلة مشاهد كثيرة من شتائها الجبلي القاسي، حيث تغدو الحياة
كفاحًا حقيقيًا، ومع ذلك يحلم الشبان بأعمال الربيع، والأعيان بحفلات عقد
القران التي سيحيونها والنساء بعودة الأبناء المغربين بحثًا عن الرزق
والأطفال بحقول القمح.